كتاب داخل مصر ...... أرض الفراعنه على حافه ثوره
قال عميل وكالة الاستخبارات الأمريكية روبرت بير إن الكتاب الجديد للمؤرخ البريطاني جون برادلي «داخل مصرقسّم برادلي كتابه إلي ثمانية فصول، تناول كل واحد منها جانباً رئيسياً في الهيكلين الاجتماعي والسياسي لمصر، واللذين يعتبرهما المؤلف محركا لما قد تشهده البلاد خلال الفترة المقبلة - حسب توقعاته - فتحدث في الفصل الأول عن ثورة يوليو، والتي اعتبرها «انقلاباً عسكرياً»، وتناول في «الثاني» الإخوان المسلمين، و«الثالث» الأقباط والصوفيين، و«الرابع» البدو، و«الخامس» التعذيب، و«السادس» الفساد، و«السابع» عن الكرامة المفقودة، أما الفصل الأخير فحمل عنوان «مصر بعد مبارك».
بدأ المؤرخ كتابه بوصف «غاضب» في الفصل الأول لما أطلق عليه «التشويه الذي تعرضت له مصر بسبب الثورة»، حيث قال :إن عواقب ذلك الانقلاب لاتزال تحل بالبلاد التي تتعرض حالياً لأسوأ موجة اضطرابات منذ وقوعه، وتشهد ظروفاً مماثلة لتلك التي تسببت في الثورة.
وقلل الكتاب من الحملة التي يتبناها النظام الحالي للإصلاح، ناقلاً عن رئيس اتحاد الأطباء النفسيين في مصر الدكتور أحمد عكاشة قوله: إن مبارك يريد التغيير بعد ٢٥ عاماً من الحكم، مؤكدا أن هذا مستحيل لأن الإصلاح يحتاج إلي منهج ذهني وهذا لا يتوفر للنظام الحالي - «حسب قوله».
وركز الفصل الثاني علي جماعة الإخوان المسلمين، حيث قدم الكاتب مقارنة بين حال الجماعة قبل الثورة ودورها الاجتماعي والسياسي في مواجهة الاحتلال، كواحدة من الجماعات الوطنية في البلاد تحت زعامة مؤسسها حسن البنا، مشيراً إلي أن الأخير كان يهدف إلي «إصلاح القلوب والعقول، وإعادة المسلمين إلي الإسلام الصحيح، بعيداً عن الفساد الأخلاقي الذي رسخه الاحتلال في البلاد».
ورأي برادلي أن حال الإخوان «تراجع في عهد مبارك»، حيث تم الزج بالآلاف منهم في السجون دون تهم محددة - حسب قوله - بعد أن استخدم النظام ضدهم قانون الطواريء، الذي أُعلن عقب اغتيال السادات، وعاني الكثير منهم - خصوصاً القيادات - الأمرّين من التعذيب في السجون، وحتي الآن يمكن جرهم إلي المعتقل في أي وقت بتهمة الانتماء إلي جماعة محظورة قانوناً.
وتطرق الكاتب إلي الوضع الحالي للإخوان وتمثيلهم كمستقلين بـ ٨٨ مقعداً في البرلمان، معتمداً علي لقاء موسع عقده مع المتحدث باسم الكتلة البرلمانية النائب حمدي حسن، والذي اعتقل مرتين منذ انتخابات ٢٠٠٥، حيث أشار حسن إلي أن النظام يصر علي «مضايقة ومطاردة أعضاء الجماعة، لمنعها من تحقيق أهدافها.
وقال النائب الإخواني: «أي تغيير مفاجئ سيؤدي إلي حدوث فوضي في مصر والعالم أجمع، مشيراً إلي أن أعضاء الجماعة «منتشرون في جميع القطاعات والهيئات»، وهذا يجعل برنامجها «مختلفاً»، حيث يعتمد - حسب حسن - علي تلبية احتياجات الناس في كل المستويات والمحافظات. وأضاف: «نحن لا نريد دولة إسلامية، لكننا نسعي إلي خلق حضارة حديثة بجذور إسلامية، ولا توجد لدينا مشكلة مع الديمقراطية والدستور.
وحاول برادلي، خلال لقائه زعيم كتلة الإخوان في البرلمان، الإجابة عن عدة تساؤلات منها علاقة الجماعة بالتيارات الأخري في المعارضة، والمساحة التي تسمح بها في حرية التعبير وموقفها من أمريكا، فأجابه حمدي حسن قائلاً: «هناك أرضية سياسية مشتركة بين الإخوان وبقية تيارات المعارضة، وهناك اتفاق في الكثير من الأمور، مثل رفض نقل الحكم إلي جمال مبارك، ويوضح كذلك أن «القرآن» لا يلغي حرية التعبير، بل يرسخها لدي الجميع».
وحول موقف الجماعة من الولايات المتحدة قال حسن: «لا يجب أن تخاف أمريكا من الإخوان، فقد شنت حروبها باسم الديمقراطية والعدالة، ولكن العكس هو الصحيح فهي تدعم الزعماء المستبدين ضد شعوبهم، رغم علمها بالتجاوزات التي يقومون بها»، مشيراً إلي أن الأمريكيين «يتحملون مسؤولية معاناة المسلمين والعرب».
ورغم الدفاع القوي للنائب الإخواني عن مبادئ وأفكار جماعته فإن المؤلف رأي أن نواب الإخوان ركزوا بشدة، منذ عام ٢٠٠٠ إلي ٢٠٠٥، علي الحد من حرية التعبير في ثالوث الفكر، الثقافة والإعلام والتعليم، منفذين بذلك أجندتهم الخاصة في أسلمة المجتمع من جذوره، مستدلاً بعدة تجارب منها حملة الجماعة ضد رواية «وليمة لأعشاب البحر» واتهامها لوزير الثقافة فاروق حسني بشن حرب لصالح أمريكا ضد الهوية الإسلامية.
وقال برادلي: «إن استخدام سلاح الثقافة من جانب الإخوان في التغلغل إلي شرائح المجتمع ليس مستغرباً علي الإطلاق في ظل سيطرة الدولة علي البلاد وحكم النظام الأبوي، لافتاً إلي أن الإخوان يعرفون كيفية استخدام القيم والأفكار التي تغازل المشاعر وتلعب عاطفيا علي أوتارهم.
واستند الكاتب البريطاني إلي قصة تكفير الدكتور نصر حامد أبوزيد «الأستاذ في جامعة القاهرة» باعتبارها أكثر الشواهد وضوحاً - حسب وصفه - علي كيفية تلاعبها بمشاعر الناس، مشيرا إلي أن المحامي الإسلامي الذي تولي القضية ضد أبوزيد - ليس بصفته إخوانياً - قال: «هذه مجرد بداية ضد من يظن نفسه فوق الإسلام».
وأشار الكاتب إلي أن الأجندة السياسية المفصلة الأولي التي نشرت في أواخر ٢٠٠٧ تكشف الألوان الحقيقية للإخوان، حيث تُحرّم الجماعة تعيين النساء أو الأقباط في منصب الرئاسة، وتمنح الشيوخ دوراً رقابياً علي الحكومة وهو ما أعاد إلي أذهان الكثير من المراقبين الواقع المرعب لدولة المرجعية الإسلامية في إيران.
وأوضح برادلي أن الغرب يراقب الصعود التدريجي السياسي للإخوان، مشيراً إلي أن أداءهم الجيد في انتخابات ٢٠٠٥ دفع كثيراً من المحللين إلي مطالبة واشنطن بتغيير سياستها تجاه الجماعة، باعتبارها أقل الشريرين مقارنة بالنظام الحاكم.
واستدرك برادلي في كتابه قائلاً: «بالرغم مما سبق ربما ننظر بشيء من السطحية إلي نتائج العملية الانتخابية، والإخوان، برغم أدائهم، لم يفوزوا سوي بـ ٢٠% من المقاعد، والأهم من ذلك أن ٢٥% فقط من المصريين قاموا بالتصويت، وهذا يعني أن الغالبية العظمي من الشعب لم تصوت سواء للإخوان أو لحزب مبارك الذي يستخدم نجاح الجماعة في حصد عدد كبير من المقاعد خلال الانتخابات كفزاعة لتخويف واشنطن من صعود الإسلاميين، لكن هذا في حد ذاته لعبة خطرة من جانب نظام يستخدم أدوات متطرفة للحفاظ علي عمره القصير.
وأعرب الكاتب عن اعتقاده أن جماعة الإخوان ربما تكمن في الظل انتظاراً للحظة المناسبة التي تنقض فيها علي الحكم، وهي تنظم وتدرب نفسها لتكون في أفضل المواقف التي تمكنها من ملء الفراغ بسرعة عند حدوثه.
وفي الفصل الثالث يتطرق الكاتب إلي طائفتين تعتقدان أنهما مستهدفتان من جانب النظام المصري وجماعة الإخوان، أولاهما جماعات الصوفيين التي قُدر أفرادها بحوالي ستة ملايين رجل، بالإضافة إلي ملايين من النساء والأطفال الذين يحجون إلي الموالد، مشيراً إلي أن الشرطة بدأت تتعامل بقسوة مع التجمعات الصوفية لأسباب أبعد من مجرد سعيها لمنع تجمع الحشود في الشوارع.
وأرجع برادلي هذا التعامل الشرس مع الجماعات الصوفية إلي طغيان الفكر الوهابي الرافض لهذه الطقوس علي العقيدة الدينية والسياسية في البلاد.
وأعرب عن اعتقاده بأن ثمة فائدة كبيرة كانت ستعم علي الجميع لو صدّرت مصر فكرها الصوفي المعتدل إلي السعودية بدلاً من استيراد الأيديولوجية الوهابية التي عادت إلي مصر مع عناصر الإخوان الذين فروا في عهد عبدالناصر وعادوا في عهد السادات وأيضا مع ملايين العمال ذوي الثقافة المحدودة الذين أشربوا هذه العقيدة.
وقال الكاتب: «إن الصراع بين الوهابية والصوفية جزء من الحرب الفكرية والسياسية ذات الأصول التاريخية بين مصر والسعودية، معتبرا أن انتصار الوهابية مؤشر لغياب الزعامة عن القاهرة في جميع المجالات لصالح الرياض.
أما الطائفة الثانية التي تناولها الكاتب في الفصل الثالث فهي الأقباط، حيث اعتمد علي عدد من اللقاءات التي جمعت برادلي مع أشخاص مسيحيين تربطه بهم صداقات في مصر، وفي بداية حديثه ساق حكماً بأن العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر تكون ودية طالما تقبل المسيحيون أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، لافتاً إلي أن هذا الوضع يستمر من جانب المسلمين المعتدلين، لكن المتشددين، ومعظمهم قادم من السعودية ويعيش في الصعيد - علي حد قوله - لا يقبلون حتي بذلك.
ونقل برادلي عن جورجيت قلليني «إحدي الرموز القبطية في الحزب الوطني الحاكم» أن المشكلة ظهرت حينما بدأ المسلمون، خاصة الذين يعيشون في الصعيد، السفر إلي السعودية ودول الخليج للعمل في حقول النفط ،حيث عادوا متشبعين بالفكر الوهابي المتشدد، الغريب كلياً عن المذهب الديني المعتدل في مصر.
وفي سياق الكتاب خصص برادلي فصلاً كاملاً للبدو بدأه بشرح تفصيلي لأزماتهم الأخيرة في مصر وجذورهم التاريخية والقبائل الموجودة في شبه جزيرة سيناء والصحراء الغربية، ثم انتقل بعد ذلك إلي وصف طبيعة البدو كأفراد يعيشون في ظروف معينة فرضت عليهم نوعا من القسوة في الطباع وجعلتهم - علي حد وصفه - قابلين للشراء من جانب حكومات أو أفراد في البلدان التي يعيشون فيها، منتهياً إلي نتيجة تؤكد أن كل الدول التي يعيش بها بدو حاولت حكوماتها مهادنتهم حفاظاً علي الاستقرار، لكن تصرفت الحكومة المصرية علي النقيض وأصرت علي تغيير أسلوب حياتهم بأساليب قاسية.
وأشار برادلي إلي أن الامتداد العمراني المدني في أراضي سيناء قابله نوع من التهميش للبدو الذين يعانون كثيراً من البطالة والعزلة في الصحراء فضلاً عن الجهل ونقص التدريب لإنشاء مشروعات صناعية صغيرة تناسب طبيعة المنطقة، لافتا إلي أنه في عام ٢٠٠٢ فقط توفرت ما بين ١٠ و٣٠ ألف فرصة عمل في ١١٠ فنادق في سيناء، ولكن المفارقة ان غالبية الذين تمت توظيفهم جاءوا من القاهرة والدلتا للحد من مشكلة البطالة هناك.
وقال برادلي إن البدو يشعرون بأن الحكومة تتعمد تهميشهم وعزلهم لصالح الذين يأتون من خارج أراضيهم، مستنداً إلي حالة قرية «جرغانة» الساحلية في سيناء، التي يعيش أهلها قرب غابات من أشجار المانجروف ويعتمدون بشكل أساسي علي الصيد في الصيف وحفظ الأسماك في الشتاء، موضحاً أن أهالي هذه القرية يتعرضون لمحاولات الأبعاد من جانب أصحاب القري السياحية في المنطقة المدعومين من الحكومة والذين يحاولون منعهم من الصيد الذي يتكسبون منه.
وأضاف أن وضع البدو في جنوب سيناء مختلف عن شمالها حيث يستطيع أهل الجنوب التكسب علي الهامش من صناعة السياحة المنتشرة هناك في حين يبدو الوضع مأساويا في الشمال فالسياحة تكاد تكون شبه معدومة ووعود الحكومة بتقديم الدعم والمساعدات وبناء المشروعات الجديدة تحولت إلي مزحة وهو الأمر الذي حول أهل هذه البقعة إلي قنبلة موقوتة.
وأشار إلي أن تقارير وكالات التنمية الدولية توضح أن نسبة الجهل بين البدو تزيد علي ٩٠%، علي الصعيد السياسي فالنظام المصري يخطئ في التعامل مع مشكلة البدو، حيث يوكلها كلياً إلي الأمن الذي يختار حالياً شيوخ القبائل علي غرار اختياره أئمة المساجد في الدولة ، مما جعلهم غير مقبولين من جانب العامة في المساجد، كما جعل الشيوخ غير موثوق بهم في القبائل.
واعتبر الكاتب أن مسألة الولاء هي جوهر المشكلة والثقة ليست كاملة بين الحكومة والبدو وأرجع ذلك إلي فترة الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، مشيراً إلي أن هناك اتهامات متكررة للبدو بأنهم طابور خامس يعمل لصالح إسرائيل وفي الأزمات الأخيرة لوح بعض أفراد البدو بهذا الكارت إلا أن رؤساء القبائل أكدوا ولاءهم الكامل وانتماءهم كمواطنين مصريين، وقال شيخ قبيلة العزازمة الأكبر في سيناء إننا مصريون رغم تعامل الحكومة السلبي معنا وطلب من مبارك مساعدتهم.
وأنهي هذا الفصل قائلا: إن من العار علي مصر في ظل هذه المعاناة للبدو أن تقتصر المساعدات التي يتلقونها علي تلك التي تأتي من الخارج والأسوأ من ذلك أن بعض هذه المساعدات يأتي من البرنامج العالمي للغذاء التابع للأمم المتحدة، الذي يفترض أنه معني بتوفير المعونات للشعوب المنكوبة التي تعاني من مجاعات.
ونقل عن مدير البرنامج العالمي للغذاء، فيشوباراجولي، قوله إن الإحصاءات لن تكشف فقر هذه المنطقة، لأن القناع السياحي المتمثل في شرم الشيخ سوف يزيف الحقيقة لكن المشكلة تتمثل في السكان الأصليين، الذين يمدهم البرنامج بالغذاء والبنية التحتية.
وفي الفصل الخامس تناول برادلي قضية التعذيب وبدأه بقصة حول صديق له من أسوان اعتقل أثناء سيره في الشارع لمجرد الاشتباه، مشيراً إلي أن هذا أمر عادي في مصر فلا يشترط أن تكون مجرماً أو مداناً ليتم القبض عليك، كما ساق عدة أمثلة أخري منها واقعة الطفل محمود عبدالرحمن الذي مات متأثراً بالتعذيب داخل قسم شرطة بالمنصورة، مشيراً إلي أن هذه الواقعة أثرت فيه كثيرا وتساءل عن دور جماعة الإخوان المسلمين في نشرها من خلال تصوير أم الطفل في حالة مزرية، ملمحاً إلي أن الجماعة استغلت المأساة لتحقيق أغراض سياسية.
وقال الكاتب إن جميع التقارير الدولية المتعلقة بهذه المسألة أفادت بأن التعذيب يتم بشكل منهجي بأقسام الشرطة والمعتقلات في مصر، لافتاً إلي أن هناك أدوات رهيبة تستخدم في ذلك ويتعرض المعتقلون للصعق الكهربائي بأماكن حساسة بأجسادهم فضلا عن الاغتصاب من جانب مجرمين يتم استخدامهم في السجون لهذا الغرض، مشيرًا إلي أن مثل هذه الممارسات تعكس قسوة النظام الحاكم في مصر وتكشف الدور الحقيقي للأجهزة الأمنية وهو حماية القادة من الناس بدلا من حماية الناس من المجرمين.
وأشار إلي أن كثيراً من المعتقلين أخبروا منظمة العفو الدولية أنه كان يتم استجوابهم بينما يتعرض زملاؤهم للتعذيب في زنزانات مجاورة، حيث كانوا يسمعون صوت صراخهم ويرون بعد ذلك جروحا متفرقة في أجسادهم، مضيفاً أن هناك أطباء يفحصون الضحايا يومياً للتأكد من قدرتهم علي الاستمرار في التعرض للتعذيب لافتا إلي أن البعض يتم القبض عليه لتشابهه في أسماء مع مطلوبين.